علاج القلق

القلق: حين يتحوّل من نظام إنذار إلى سجن داخلي

في عمق النفس البشرية، لا يوجد شعور أكثر مراوغة من القلق. إنه ليس مجرد استجابة انفعالية لمثير خارجي، بل بنية بيولوجية-معرفية متشابكة، وظيفتها الأساسية هي: “البقاء”.

القلق في أصله ليس مرضًا. إنه نظام إنذار تطوّري، يعمل عبر المحور الوطائي-النخامي-الكظري (HPA axis)، لتنبيه الجسم لأي تهديد محتمل.

ولكن، حين يصبح هذا النظام مفرط النشاط دون وجود تهديد حقيقي، يتحول إلى ما يُعرف إكلينيكيًا بـ اضطراب القلق (Anxiety Disorder).

في الحالة المرضية، يُعاد تشكيل الإدراك ليُفسر المحايد كمُهدِّد، وتصبح الوظائف المعرفية مثل الانتباه والتركيز والذاكرة العاملة، رهينةً لهذا القلق المزمن.

لا يعود القلق مجرّد شعور عابر، بل يصبح بُنية راسخة داخل الجهاز العصبي الذاتي (Autonomic Nervous System) والجهاز الحوفي (Limbic System).

الأنواع التشخيصية لاضطرابات القلق وفق DSM-5:

  • اضطراب القلق العام (GAD)
  • اضطراب الهلع (Panic Disorder)
  • الرهاب الاجتماعي (Social Anxiety)
  • الفوبيا المحددة (Specific Phobia)
  • اضطراب قلق الانفصال (Separation Anxiety)

معظم هذه الاضطرابات ترتبط بفرط نشاط في اللوزة الدماغية (Amygdala)، وضعف التواصل مع قشرة الفص الجبهي، مما يؤدي إلى ضعف التنظيم الانفعالي.

من منظور العلاج النفسي:

المدخل المعرفي السلوكي (CBT) يُعد الخط الأول في العلاج، ويستهدف التشوهات الإدراكية مثل التهويل والتعميم والافتراضات السلبية.

  • إعادة الهيكلة المعرفية (Cognitive Restructuring)
  • التعرض التدريجي (Graduated Exposure)
  • تدريب مهارات التأقلم (Coping Skills Training)

كما تُستخدم طرق حديثة مثل العلاج القائم على الوعي الكامل (Mindfulness-Based Therapy)، لفك الارتباط بين الفكرة والانفعال، وتقوية الحضور الذهني.

القلق ليس ضعفًا… بل إشارة

القلق لا يُعالج فقط بالأدوات، بل بإعادة صياغة العلاقة مع الذات، والجسد، والزمن.

إنه صرخة داخلية تقول: “افهمني”، لا “اسكتني”. الفهم أول خطوة نحو التوازن.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *