اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لدى الراشدين: حين لا يكبر الاندفاع

في الوعي الجمعي، ارتبط اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) بطفل لا يهدأ، يتململ في كرسيه، ويقاطع الآخرين. لكن ما يغيب عن الكثيرين أن هذا الاضطراب لا يُطوى مع دفتر المدرسة، بل قد يتسلل إلى مرحلة الرشد متخفيًا خلف أقنعة الإجهاد المزمن، وتقلّبات المزاج، والعلاقات المضطربة، والفوضى الذهنية التي يصعب تفسيرها.

ملامح اضطراب ADHD عند البالغين

الراشد المصاب باضطراب ADHD قد لا “يتحرك” كثيرًا بالجسد، لكنه يركض ذهنيًا بلا توقف. أفكاره متقاطعة، يصعب عليه إنهاء المهام، يشعر بالملل سريعًا، يتنقل من مشروع لآخر دون استكمال، وقد يبدو للآخرين مندفعًا، متوترًا، أو حتى فوضويًا بلا سبب واضح.

وغالبًا ما يرافق الاضطراب أعراض مشتركة، مثل:

  • صعوبة التنظيم الذاتي للمشاعر
  • النسيان والتشتت المستمر
  • التسويف المزمن
  • الاندفاع اللفظي أو السلوكي
  • الشعور الدائم بالإرهاق الذهني

التشخيص المتأخر: عبء يحمل تاريخًا من سوء الفهم

أحد أكثر التحديات التي تواجه البالغين مع ADHD هو التأخر في التشخيص. كثيرٌ منهم نشأوا على اتهامات بالكسل، أو الإهمال، أو “كثرة الحركة”، دون أن يجدوا تفسيرًا علميًا يعيد صياغة الحكاية من منظور معرفي ونفسي.

يُظهر التاريخ السريري لهؤلاء الأفراد نمطًا من الصعوبات الدراسية غير المفسّرة، علاقات متوترة، مسارات مهنية متقطعة، وشعور مزمن بـ “الفشل الداخلي”. واللافت أن الكثيرين لا يدركون أنهم يعانون من ADHD إلا بعد تشخيص أحد أطفالهم، ليبدأوا في مراجعة سيرتهم الذاتية بعيون جديدة.

ADHD والكوموربيدية: شرك الاضطرابات المتداخلة

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لدى البالغين نادرًا ما يأتي وحيدًا. يُعد أرضًا خصبة لتداخل اضطرابات أخرى، مثل:

  • القلق العام (Generalized Anxiety Disorder)
  • الاكتئاب أحادي القطب
  • اضطرابات النوم
  • اضطراب تعاطي المواد (Substance Use Disorder)

وهنا تكمن الحاجة إلى تقييم نفسي شامل (Comprehensive Psychological Assessment) لا يقتصر على الأعراض السطحية، بل يغوص في البنية المعرفية، والسلوكيات النمطية، والعوامل المرافقة.

آليات التأقلم والتعافي: بين العلاج المعرفي الدوائي والسلوكي

الخط الأول للعلاج غالبًا ما يكون دوائيًا، باستخدام منبهات الجهاز العصبي المركزي (مثل ميثيلفِنيدات أو الأمفيتامينات)، التي تعمل على تعزيز تنظيم الدوبامين والنورإبينفرين في الفص الجبهي للدماغ، المركز المسؤول عن الانتباه، واتخاذ القرار، والتحكم بالسلوك.

لكن الدواء وحده لا يصنع المعجزة. فالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) المصمم خصيصًا للبالغين مع ADHD يساعد على:

  • إعادة تنظيم الوقت والمهام
  • بناء استراتيجيات للتعامل مع التشتت
  • ضبط التفاعل الاندفاعي
  • تدريب الانتباه الموجّه

والأهم، مساعدتهم على إعادة بناء صورتهم الذاتية، التي غالبًا ما تكون مثقلة بالشعور بالعار والدونية والخذلان المتكرر.

لماذا من المهم أن نُدرك وجود ADHD لدى البالغين؟

لأن الجهل بالاضطراب لا يُنهي وجوده، بل يضاعف آثاره. لأن وراء كل شخص يعاني من “عدم التركيز”، قد تقبع قصة من سوء الفهم والتشخيص المتأخر. ولأن المجتمع بحاجة إلى أن يُوسّع مفاهيمه حول “الوظائف التنفيذية”، وألا يُقوّم البشر من خلال قدرتهم على “الجلوس بهدوء فقط”.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *