أهمية الدعم النفسي

أهمية الدعم النفسي


ليس كل ألم يُرى، وليس كل من يضحك بخير. وفي زحام الحياة، يصبح وجود من يسمعك دون أن يُدينك… نعمة تساوي الحياة نفسها.

الدعم النفسي (Psychological Support) ليس مجرد جلسة، أو كلمات تشجيع… بل هو بناء داخلي يبدأ من الاعتراف بالحق في الضعف، وفي الاحتياج، وفي طلب المساعدة دون خجل.

في علم النفس، يُصنف الدعم النفسي كواحد من أهم العوامل الوقائية (Protective Factors)، التي تقلل من شدة تأثير الصدمات النفسية، وتزيد من المرونة النفسية (Resilience)، وتسرّع من التعافي من الاضطرابات مثل القلق، الاكتئاب، واضطرابات التوتر الجسدي (Somatic Stress Disorders).

أنواع الدعم النفسي:

  • الدعم العاطفي (Emotional Support): عندما يجد الشخص من يحتوي مشاعره، يصدّق ألمه، ويؤكد له أنه ليس وحده. هذا النوع يحسّن من تنظيم الانفعالات (Affect Regulation) ويقلل من النشاط الزائد للجهاز العصبي السمبثاوي.
  • الدعم المعلوماتي (Informational Support): المعرفة تمنح الأمان. عندما يحصل الفرد على تفسيرات دقيقة لما يمر به، تقل نسبة التفكير الكارثي (Catastrophic Thinking)، مما يُعزز الإحساس بالسيطرة والكفاءة (Self-Efficacy).
  • الدعم العملي (Instrumental Support): كأن يساعدك شخص في الحضور للعلاج، أو بتوفير المواصلات، أو الدعم المادي… هذا يقلل من الضغط التنفيذي الواقع على الجهاز العصبي.
  • الدعم الاجتماعي (Social Support): وجود شبكة علاقات آمنة يقلل من الشعور بالوحدة، ويرفع من إفراز هرمون الأوكسيتوسين (Oxytocin)، الذي يعزز الشعور بالأمان والانتماء.

الدعم النفسي ليس رفاهية… بل ضرورة علاجية:

  • في العلاج النفسي: العلاقة العلاجية الداعمة تساعد على إعادة بناء نمط التعلّق (Attachment Style) لدى الأشخاص الذين تعرضوا للإهمال أو الصدمات العاطفية.
  • في البيئات التعليمية: وجود مستشار نفسي أو معلم متفهّم يحسن من القدرة على تنظيم المشاعر، التركيز، والتحصيل الدراسي.
  • في أماكن العمل: الدعم النفسي يقلل من الاحتراق المهني (Burnout)، ويرفع من الرضا الوظيفي، ويخفض من نسب الغياب والاستقالات.

أدلة علمية تدعم أهمية الدعم النفسي:

أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Journal of Health Psychology أن الدعم الاجتماعي القوي يرتبط بانخفاض مستويات الكورتيزول في الدم، وتحسُّن كبير في استجابة الجسم للضغوط.

وفي بحث نُشر في The Lancet Psychiatry، وُجد أن المرضى الذين يتلقون دعمًا عاطفيًا منتظمًا يتعافون من الاكتئاب بمعدل أسرع بنسبة 40% مقارنة بمن يفتقرون لهذا الدعم.

كما بينت دراسات التصوير العصبي (Neuroimaging) أن التحدث عن المشاعر مع شخص داعم يُنشّط قشرة الفص الجبهي (Prefrontal Cortex) ويقلل من فرط نشاط اللوزة الدماغية (Amygdala)، وهو ما ينعكس على التوازن الانفعالي.

لماذا نحتاج للدعم النفسي؟

لأننا مخلوقات اجتماعية، والعقل البشري مبرمج ليشعر بالأمان في وجود “آخر”.

لأن كل تجربة مؤلمة لا تحتاج إلى حل فوري فقط، بل إلى شاهد صادق يقف معك دون شروط.

لأن الكلام يخفف الحمل… والكتمان يثقل النفس.

في النهاية…

الدعم النفسي لا يغيرك، بل يُعيدك إليك.

هو المرآة التي ترى فيها ذاتك الحقيقية، لا تلك التي شوهتها الظروف. هو جسر من الداخل إلى الداخل.

فامنح نفسك هذا الحق… وكن أنت الداعم حين تقدر، كما كنت يومًا بحاجة لمن يسمعك.

قد يهمك ايضا : علاج القلق

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *